يستحقون الهداية

لم أكن أعتقد أن الانتقال للعيش في الغرب سيكون صعب، بالأخص أنني لست غريبة على الغرب فلقد عشت أيام طفولتي هنا حتى بداية المرحلة الثانوية وسافرت لدول غربية مرارًا وتكرارًا وعملت مع جهات غربية لسنوات ودرست الماجستير في دولة غربية الخ ولذلك أعتقدت أن الانتقال سيكون شئ سهل وسلس وربما بديهي في التعود. ولكن الواقع كان مختلف تماماً فالاستقرار في الغرب من أصعب التحديات وأثقلها حملاً دون تجاربي مع الحياة. وربما من ما زاد من الأمر صعوبة وبرز الفرق بين الحياة في الغرب والشرق هو تأثير الجائحة والتي جعلتنا نختبئ بين جدران منزلنا لأشهر ونعيش في مساحة ضيقة ولكن في ذات الوقت مساحة مريحة تحمينا من أي شي دخيل او غريب علينا ولذلك أصبح لدي تعود على “منطقة الراحة” أكثر من أي وقت صعبة

عندما انتقلنا للغرب وعادت الحياة العامة إلى طبيعتها بدأت انصدم بالتفارق الأخلاقي وصدام القيم الذي شعرت وكأنه يحاصرني لدرجة صرت لا أرى شئ سوى تحديات العيش في الغرب في ظل التضارب الشديد مع القيم الإسلامية. أصبح لديا مخاوف عدة لا تتكرني صباحاً مساءً بالأخص في جانب التربية ومستقبل أسرتنا المسلمة في الغرب.

في يوم كنت أتحدث مع أبي عن هذه التحديات فقلت له بكل يأس بأنني لا أعتقد بأن يمكنني الاستمرار في العيش هنا لان “الانحطاط الأخلاقي” وأعي أن هذا المصطلح صعب وثقيل ويستصعب قوله لأنه هو ذات المجتمع الذي تعلمت منه حب القراءة في الصغر ودرست فيه وتعلمت منه النقد والتفكير المستقل واستمتعت فيه بطبيعته الشاسعة وحدائقه الجميلة والذي وجدنا فيه مأوى في ظل أزمات بلادنا… ولكن لم أجد مصطلح غيره يصف ما أشعر به. أبي أوقفني عند كلمتي هذه وقال لي “ولكنهم أيضًا يستحقون الهداية ونحن لدينا ما نقدم لهم من تعاليم الإسلام في إصلاح أنفسهم وحياتهم” وكدت في تلك اللحظة أن أبكي وكأني كنت محصورة في زاوية دون هواء وتم انقاذي بالاكسجين! وذلك لأني طيلة السنتين الماضيتين كنت أشعر بقلق شديد على أنني ضحية هذا الوضع وكل ما يحدث في المجتمع حولي ولم أفكر سوى فالمخاوف دون أن يخطر في بالي بتاتًا أن يمكننا العطاء او أن المجتمع بحاجة الينا كمسلمين (سواء مدركين او غير مدركين لذلك) ولكن فقط كان التفكير في إطار “الضحية” لكل ما يحدث حولنا، والواقع هو العكس تماما: هم يعانون ونحن نحمل مفاتيح الفرج (الإسلام) – لم ايقن اننا نحن الحل بل كنت فقط أريد الفرار!

كيف وصلنا الى هذا القدر من النظرة الدونية والفاقدة للأمل – أو باختصار نظرة غير إنسانية – الى غير المسلم؟ هل نحن ضامنين الجنة؟ هل ضمنا الهداية لأنفسنا لمدى الحياة؟ طبعًا لا! فكيف وصلنا الى هذه الطريقة للتفكير؟

أتسائل ما الذي حصل لنا ليكون لنا هذا الحجم من التكبر بأن الهداية محصورة علينا وكيف نسينا تاريخنا الاسلامي الذي شاهدنا فيه عمر رضي الله عنه مسلم وصحابي بل وأمير المومنين؟! لقد سيطرت علينا اللا إنسانية والخوف من الاخر ونسينا أن الإسلام الذي نحمله في قلوبنا ليس حكرًا علينا وإنما من مسؤوليتنا الدعوة الى الله وسنحاسب عليها. فإذا هم ليس فقط يستحقون الدعوة بل من واجبنا كمسلمين دعوتهم.

ومع ذلك من سلك هذا الطريق أعانه الله فطريق الدعوة في بلدان الغرب مسيرة شاقة وتحتاج اشخاص ذو همة عالية وإخلاص تام. فأنت في بلد العمل فيه لكسب العيش شاق ومتعب وإضافة الى ذلك دورك الأسري اليومي مهم للغاية فاولادنا بحاجة الينا بشكل مضاعف من إهتمام وتربية ورفقة في الغربة. ومع هذا كله عليك مسؤولية جارك الذي ربما لم تصله دعوة الإسلام ومسؤولية مسجدك الذي بحاجة الى مساهمتك بوقتك ومالك وأيضا عليك بمسئولية المشاركة السياسة لكي يكون لك دور في إختيار الاصلح في المجتمع وهذا كله في ظل قدرتك الإنسانية في إطار سبعة ايام في الاسبوع في نظام رأس مالي يملك منها على الاقل خمسة ايام. حجم التحدي كبير وما نشكوا الا الى لرب العباد ان يعيننا!

ومع حجم التحدي الا يكون لنا أمل ان لسنا ضحايا لنهج الحياة الغربية وإنما نحن كمسلمين يمكن أن يكون لنا دور في هدايتهم؟ أوليس الله يهدي من يشاء وما نحن سوى خلفاء في الأرض في خدمة الاسلام؟ أليس النظرة هذه للأمور وفهم كم أن الإسلام رزق للعالمين شئ يجلعنا نرتاح نفسيًا ويمكننا من التحرك والتفكير بشكل أريح؟

وأهم شئ أدركته ما دمنا مسلمين فنحن نسلك طريق الحق وما دام ذلك فلا خوف علينا كما يقول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»

ولو قررنا بأن هذه الحياة في الغرب ليست لنا فلا ننسى هذا الحرص والخوف على ديننا عندما نعود لبلاد المسلمين وتصبح هدايتنا للإسلام شئ يبدوا معطاه وننسئ النعمة التي نحن فيها.

الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله